من هنا نبدأ ... التعليم العمود الفقري لبناء الدولة ... نحو مجلس استشاري وخطة وطنية أربعينية للتعليم
التعليم هو الهوية والعمود الفقري للدولة التعليم ليس جدرانًا أربعة، ولا سبورةً تقليدية أو حتى

✍️ بقلم د. مدحت يوسف
???? التعليم هو الهوية والعمود الفقري للدولة
التعليم ليس جدرانًا أربعة، ولا سبورةً تقليدية أو حتى شاشةً تفاعلية متطورة، بل هو البناء الحقيقي للحياة. التعليم هو الهوية، وهو العمود الفقري لبناء الدول، وهو المحرك الأساسي لصناعة الإنسان القادر على مواجهة المستقبل. فالدولة لا تُبنى بالخرسانة والإسمنت فقط، وإنما تُبنى بالعقول التي تخرج من منظومة تعليمية متكاملة وراسخة.
???? فشل الرؤى الفردية وتكرار الهدم والبناء
لقد اعتدنا أن يكون تطوير التعليم رهينًا لوزارة واحدة أو وزيرٍ يتولى حقيبتها لسنوات قليلة، فيهدم ما سبق ويبدأ من جديد وفق رؤيته وثقافته. هذا التغيير المتكرر والارتجالي جعل منظومة التعليم في كثير من الدول العربية حقل تجارب لا ينتهي، وضاعت بين التجارب المؤقتة الهوية التعليمية والاستراتيجية الوطنية لبناء الإنسان. إن بناء الدولة ليس مشروعًا شخصيًا لمسؤول، بل هو خطة وطنية عابرة للحكومات والوزراء، خطة تتوارثها الأجيال وتبنى على أسس علمية مستدامة.
???? مجلس استشاري للتعليم تحت مظلة التخطيط الوطني
أقترح أن يُنشأ مجلس استشاري وطني لتطوير التعليم، لا يتبع وزارة التعليم وإنما وزارة التخطيط، لأنها الجهة المسؤولة عن وضع الخطط الوطنية الشاملة سواء قصيرة المدى أو طويلة المدى. هذا المجلس يضع خطة استراتيجية لا تقل عن أربعين عامًا، خطة "أربعينية" متجددة تُراجع كل عام بناءً على مستجدات الدولة ومتطلبات سوق العمل والتطورات العالمية، ولكنها لا تُهدم ولا تُلغى، بل تُبنى على ثبات واستمرارية.
???? رئاسة المجلس وضمان الاستمرارية
إن هذا المجلس يجب أن يكون برئاسة أعلى سلطة في الدولة، لضمان أن التعليم ليس مجرد قطاع، بل قضية وطنية مصيرية. وتصبح وزارة التعليم وزارة تنفيذية، دورها مراقبة وتنفيذ خطة الدولة لا إعادة صياغتها وفق رؤية الوزير الحالي. هكذا يتحول التعليم من مشروع شخصي إلى مشروع وطني مستدام.
???? التعليم عملية تكاملية لا تجزئة فيها
إن التعليم ليس مجرد سنوات منفصلة أو مراحل مبعثرة، بل هو عملية تكاملية تبدأ منذ دخول الطفل سن الثالثة، وتمتد حتى تخرجه من الجامعة في عمر يتراوح ما بين 23 – 25 عامًا. هذه العملية يجب أن تكون تحت مظلة وزارة واحدة، لكنها مقسمة داخليًا إلى قسمين متكاملين:
???? مرحلة التعليم الأساسي: من التمهيدي وحتى الصف الثالث الإعدادي، يركز على بناء المهارات الأساسية، القيم، والهوية الوطنية.
???? مرحلة التعليم الثانوي والجامعي: من الصف الأول الثانوي وحتى التخرج الجامعي، تركز على إعداد الطلاب لسوق العمل، وتطوير مهارات القرن الحادي والعشرين، وتعزيز البحث العلمي والابتكار.
???? بناء شخصية المستقبل لا مادة دراسية فقط
لم تعد المادة الدراسية وحدها قادرة على بناء شخصية الطالب. المطلوب اليوم هو توفير بيئة تعليمية جاذبة لطلاب القرن الحادي والعشرين، بيئة تُعزز الابتكار، وتُعلم مهارات التفكير النقدي، والعمل الجماعي، والتواصل، والبحث المستقل. الطالب الذي يبدأ اليوم في التمهيدي سيتخرج بعد عشرين عامًا تقريبًا، فكيف نعدّه من الآن ليكون قادرًا على مواجهة سوق عمل لم تتضح ملامحه بعد؟
???? التعليم أساس جميع المهن والدولة
كل مهنة في الدولة، من الطبيب إلى المهندس، من القاضي إلى العسكري، من المعلم إلى العالم، هي نتاج منظومة تعليمية. بل حتى القائد الأعلى للدولة هو ابن هذه المنظومة. فإذا صلحت المنظومة صلحت الدولة، وإذا فسدت المنظومة ضعفت الدولة. لذلك فإن إصلاح التعليم ليس رفاهية ولا ترفًا فكريًا، بل هو عملية جراحية لازمة لإزالة "سرطان" ضعف المنظومات التعليمية الذي أضعف مجتمعاتنا لعقود.
???? نحو رؤية واضحة للمستقبل
إن المجتمعات والدول ليست حقول تجارب، والحلول للتحديات ليست مسكنات وقتية. إننا بحاجة إلى ثورة تنظيمية في إدارة التعليم، تقوم على الاستدامة والتكامل، وتمنع التغيير العبثي المتكرر مع كل وزير جديد. التعليم مشروع وطن، ومسؤولية دولة، لا مسؤولية فرد. وما على وزير التعليم إلا أن يكون رقيبًا مؤتمنًا على تنفيذ خطة الدولة، لا مهندسًا لهدمها وإعادة صياغتها حسب رؤيته الخاصة.
???? الخلاصة
التعليم هو الذي يبني الدولة، ومن دون إصلاح حقيقي وجذري للمنظومة التعليمية لن نستطيع بناء مستقبل مستدام. المطلوب اليوم هو مجلس استشاري وطني للتعليم تحت مظلة وزارة التخطيط، بخطة أربعينية متجددة، تضمن ثبات واستمرارية التعليم من جيل إلى جيل، وتبني شخصية متكاملة للطالب قادرة على مواجهة متغيرات العصر.
@topfans DrEng Medhat Youssef Moischool
خطى الوعي